بروز الصراع وتشكل العالم ثنائية قطبية

بروز الصراع وتشكل العالم ثنائية قطبية
مقدمـة:
خلفت الحرب العالمية الثانية التي جرت ما بين 1919 - 1939م واقعا دوليا جديدا تميز بتغير كبير على مستوى موازين القوى بنقلها الزعامة الدولية من فرنسا وبريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، ونظرا للتباين الفكري والمذهبي بينهما فقد عرف العالم صراعا جديدا أطلق عليه اسم الحرب الباردة.
- فما أثر ذلك على العلاقات الدولية؟
معايير تشكل العالم بعد 1945م:
أ - المعايير التاريخية والسياسية:
- تغير موازين القوى الدولية.
- زوال الديكتاتوريات الحديثة (النازية، الفاشية ...).
- تقسيم ألمانيا إلى قسمين (ألمانيا الشمالية وألمانيا الغربية)، وتقسيم العاصمة برلين إلى أربع مناطق نفوذ.
- إعادة رسم خريطة أوربا السياسية.
- تراجع القوى التقليدية وبروز الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
- انقسام العالم إلى معسكرين وبروز الصراع الايدولوجي بين المعسكرين.
- بروز هيئة الأمم المتحدة وتحولها إلى آداه وسيطرة وتدخل واستغلال في إطار ظاهرة الاستعمار الجديد (هيمنة الدول الكبرى عليها).
- انتشار موجة التحرر في العالم الثالث والتي أدت إلى تصفية الاستعمار القديم وأساليبه وحلول الاستعمار الجديد محله (القروض، الشركات المتعددة الجنسيات ...).
ب - المعايير الاجتماعية:
- طبيعة المجتمع في الكتلتين: ففي عالم الشرق اقرب إلى اللا طبقية والعدالة الاجتماعية، أما في العالم الغربي فيسوده النظام الطبقي الثنائي.
- محاولة ترسيخ نظام يقوم على أساس العدالة والمساواة والديمقراطية.
- ترسيخ قيم تفوق الرجل الغربي.
- التستر وراء منظمات إنسانية لتحقيق أهداف مصلحية خاصة.
ج - المعايير الاقتصادية:
- طبيعة النظام الذي كان سائد في دول المعسكرين: ففي الكتلة الشرقية اعتمدت الاشتراكية (الشيوعية) على نظام التخطيط المركزي والاقتصاد الموجه القائم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج، أما الكتلة الغربية فقد تبنت الرأسمالية واقتصاد السوق الحرة القائم على مبدأ الملكية الفردية.
- اتفاقية بروتن وودز 1944 وبروز النظام المالي الدولي الجديد.
- بروز سياسة التكتلات الاقتصادية.
- اشتداد التنافس في الأسواق التجارية.
د - المعايير العلمية والتكنولوجية:
اكتساب التكنولوجيا بسبب التنافس والتسابق بين المعسكرين، كما أنها تؤشر للقوة، (التكنولوجية الدرية والنووية، غزو الفضاء، وسائل الإعلام والاتصال ...).
طبيعة العلاقات بين الكتلتين (صراع لملء الفراغ):
- في ظل التنافر المذهبي بين الاشتراكية والرأسمالية ظهر صراع قوي بين الكتلتين الشرقية والغربية، حاولت كل منهما سد الفراغ الناجم في القيادة الدولية بعد تراجع مكانة فرنسا وبريطانيا من جهة، وكذا سد الفراغ في المناطق المستقلة عن الاستعمار التقليدي وذلك ب:
- تسخير كل كتلة لجملة من الوسائل لضمان تفوقها في هذا الصراع.
- تصعيد الدعاية المغرضة بين الكتلتين.
- رغبة كل كتلة في القضاء على الأخرى.
- سعي كل كتلة لسد الفراغ الذي خلفته كل من فرنسا وبريطانيا في مستعمراتها.
- اختراع كل كتلة لأحدث واخطر أنواع الأسلحة المدمرة.
- تيقن كل طرف من عجزه في التغلب على الآخر.
- إنشاء كل طرف لمنظمات اقتصادية وعسكرية لجمع اكبر عدد ممكن من الدول حوله.
- تقديم كل كتلة مساعدات اقتصادية وعسكرية لحلفائها (خاصة الكتلة الغربية).
- تصادم مصالح الكتلتين في العديد من دول العالم.
- ظهور عدة أزمات دولية زادت في تدهور العلاقات بين لكتلتين من بينها:
- أزمة اليونان وتركيا عام 1946.
- أزمة برلين عام 1948.
- أزمة الهند الصينية عام 1946.
- أزمة كوريا عام 1950.
- أزمة كوبا عام 1961.
الإستراتيجية الخاصة بكل كتلة:
المواجهة بين المعسكرين (الحرب الباردة):
الحرب الباردة: مصطلح سياسي يتمثل في ذلك الصراع المذهبي الفكري الذي اشتد ما بين 1945م -1989م بين الكتلتين الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي، والرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والذي تم خلاله استخدام كل الوسائل عدى المواجهة العسكرية المباشرة بين زعيمي الكتلتين.
إستراتيجية الهيمنة:
استخدم المعسكران الشرقي والغربي كافة وسائل المواجهة السياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية، باستثناء المواجهة العسكرية المباشرة، وقد زجت واشنطن وموسكو بكل امكانياتها لتقوية كتلتهما وضمان تفوقهما، ومن بين الاستراتيجيات الخاصة المعتمدة:
أ - المشاريع السياسية والاقتصادية والعسكرية الخاصة بالكتلة الغربية:
- إعلان مبدأ ترومان 12 مارس 1947: مبادرة أمريكية جاء بها الرئيس الأمريكي "هاري ترومان" تتضمن منح مساعدات مالية إلى تركيا واليونان تقدر ب حوالي 400 دولار، هدفه الحقيقي مواجهة الأحزاب المعارضة لليبيرالية فيها.
- مشروع مارشال 05 جوان 1947م: وهو عبارة عن مساعدة مالية قيمتها حوالي 13 مليار دولار، سمي باسم صاحبه جورج مارشال وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وجه إلى الدول الأوربية، لتحقيق جملة من الأهداف والغايات المعلنة والخفية، فالأهداف المعلنة (الظاهرة) تمثلت في:
- إنعاش أوروبا اقتصاديا.
- مساعدة أوروبا على التخلص من الآثار السلبية للحرب العالمية الثانية.
- إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي المنهار جراء الحرب العالمية الثانية .
- أما الأهداف الخفية (الباطنة) فتمثلت في:
- مقاومة المد الشيوعي في أوروبا.
- المحافظة على المبدأ الرأسمالي في أوروبا.
- ربط الاقتصاد الأوربي باقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية.
- فرض الهيمنة الأمريكية على أوروبا.
- مشروع ايزنهاور مارس1957: يتضمن تقديم مساعدات بـ: 200 مليون دولار لدول الشرق الأوسط في إطار سياسة ملء الفراغ لضرب الحركات التحريرية بالمنطقة وتعزيز الكيان الصهيوني.
- تأسيس حلف الشمال الأطلسي الناتو 4 أفريل 1949: يضم الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية وكندا واليونان وتركيا وايسلندا للدفاع العسكري المشترك في المنطقة.
- تأسيس حلف جنوب شرق آسيا 8 سبتمبر 1954: يضم الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، نيوزلندا، بريطانيا، استراليا، الفليبين، باكستان، تايلاند لمحاصرة المد الشيوعي في المنطقة.
- تأسيس حلف بغداد 24 فيفري 1955: يضم بريطانيا، العراق، ايران، تركيا، باكستان.
ب - المشاريع السياسية والاقتصادية والعسكرية الخاصة بالكتلة الشرقية:
- إعلان مبدأ جدانوف 1947: تحت إشراف المكتب الإعلامي الشيوعي الكومنفورم لتدعيم الشيوعية.
- منظمة الكوميكون: أنشأها السوفيات سنة 1949م، وهي منظمة للتعاون والتبادل الاقتصادي بين دول المعسكر الشيوعي، هدفها تنمية دول المعسكر اقتصاديا من خلال تدعيم حركات التحرر، حيث عمل السوفيات على استغلال نقمة شعوب المستعمرات على الدول الاستعمارية الرأسمالية، فقاموا بمساعدة حركات التحرر في المستعمرات ماديا ومعنويا من اجل إضعاف الدول الرأسمالية الاستعمارية من جهة، وأملا في كسب تلك الشعوب بعد استقلالها في صف المذهب الشيوعي من جهة أخرى، فقد وقف الاتحاد السوفياتي على سبيل المثال لا الحصر إلى جانب هوشي منه والثورة الفتنامية (1946-1954) وضد العدوان الثلاثي على مصر 1956 واعترف بالحكومة المؤقتة الجزائرية 1960.
- تقديم مساعدات لأوربا الشرقية كتقديم القمح وشراء سكر كوبا من دون الحاجة إليه.
- إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي للتعاون في 1949 الكوميكون لتقديم المساعدات المالية للدول الموالية.
- تأسيس حلف وارسو في 14 ماي 1955: يضم روسيا والديمقراطيات الشعبية الخمس، وألمانيا الشرقية لمواجهة الأحلاف الغربية وللدفاع العسكري المشترك.
- دعم كوريا الشمالية والصين عسكريا.
- التدخل العسكري في العديد من دول العالم كأفغانستان.
الاستراتيجيات المشتركة بين الكتلتين:
الاستراتيجيات المشتركة هي:
- تدعيم الحركات التحررية.
- التسابق نحو التسلح وصنع الأسلحة المُدمّرة منها، و بناء القواعد العسكرية ...
- ممارسة الدعاية والجسوسية.
- الضغط على الشعوب اقتصاديا.
- اللجوء إلى أسلوب الاغتيالات والانقلابات العسكرية.
- الدعاية والإعلام وتوجيه الصحافة.
- تدعيم المعارضة بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان.
- امتلاك الأسلحة والتلويح باستخدامها (النووية والهيدروجينية).
- استخدام حق الفيتو لخدمة المصالح (الفيتو الأمريكي لصالح إسرائيل...).
- التغني بحماية حقوق الإنسان والإلحاح على احترامها في بعض البلدان والسكوت عن هضمها في بلدان أخرى.
- استقبال المعارضين على أراضيهم واستخدامهم كورقة ضغط.
الاستخلاص:
إن الصراع الذي نشب عقب نهاية الحرب العالمية الثانية بعد انقسام العالم إلى كتلتين متصارعتين والذي عرف بالحرب الباردة، لم يكن من اجل إقرار الديمقراطية ولا نشر الحرية، وإنما من أجل الهيمنة والسيطرة على ثروات الدول الضعيفة والمغلوبة على أمرها والمعروفة بدول العالم الثالث.

للمزيد من الدروس يرجى زيارة موقعنا :